الأحد، 16 سبتمبر 2012

العام العاشر للنبوة ,,, عام الحزن


تعاقب المسرات والأحزان، وتتابع اليسر والعسر، سنة من سنن الحياة، والعام العاشر للنبوة وقد شهد فجره سعادة المسلمين ونبيهم (صلي الله عليه وسلم) بخروجهم من الشعب، ونقض صحيفة البغي التي خطتها قريش، ولم يلبث هذا العام أن دارت أيامه وتوالت، فأظهرت من الحوادث ما آلم النبي (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين جميعًا. أما أول هذه الحوادث فكان وفاة أبي طالب عم النبي (صلي الله عليه وسلم) ودرعه الذي يتقي به كيد قريش، وأما ثانيها: فكان وفاة السيدة خديجة {رضي الله عنها}، زوج رسول الله، وشريكة كفاحه، وراعية بيت النبوة. وكما كانت هاتان الحادثتان مصيبة رزء بها مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ، فقد كانتا أيضًا باب شر علي من آمن معه؛ تجرأت قريش علي المسلمين، حتى التجأ أبو بكر إلي الهجرة من مكة، وما رده إلا ابن الدغنة، إذ أدخله في جواره، ونالت قريش من النبي (صلي الله عليه وسلم) ما لم تنله في حياة أبي طالب، وبلغ فجورها أن يعترضه سفيه من سفهائها، فينثر التراب علي رأسه، ويقول الكريم لابنته {وهي تغسله عنه وتبكي}: لا تبكي يا بنية، فإن الله مانعٌ أباك. ولتتابع هذه الأحزان سمي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) هذا العام بعام الحزن، وقد شهد شهر شوال من هذا العام زواج النبي بالسيدة سودة بنت زمعة، رضي الله عنها وأرضاها، ولعل هذا الزواج كان نسمة باردة طيبة في قيظ العام العاشر للبعثة.
وفاة أبي طالب: في رجب من السنة العاشرة للنبوة، أفل نجم أبي طالب عم النبي، ذلك الرجل الذي كان حصنًا لمُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ودينه الجديد، أبو طالب الذي ربي مُحَمّدا طفلاً في بيته، وأحاطه وذاد عنه وقد أصبح نبيًا يهتدي به، أبو طالب الذي كانت تهابه قريش وتحترم جواره، ويقدره المسلمون لمنزلته ودوره الذي يؤديه لهم، وأبو طالب الذي سارعت إليه قريش علي فراش موته ترجو أن يبقي علي دين آبائه، وطمع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) طيلة حياته أن يهتدي لدين الله كانت كلماته التي سمعتها آذان قريش تتردد في مكة: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدًا. وكانت كلماته التي نصح بها ابنه عليًا: أما إنه لم يدعك إلا إلي خير فالزمه، ثم كانت آخر كلماته وقريش والنبي يحوطانه علي فراش موته، ويبادرانه، "علي ملة عبد المطلب". وبموت هذا الرجل العظيم انقطع رجاء المسلمين في إيمانه، وانقطعت أهم قنوات الصلة بين مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وقومه، وانقطع السياج الذي كان يحوط به أبو طالب مُحَمّدا ومن معه.
وفاة السيدة خديجة: في رمضان من العام العاشر للنبوة، فقد النبي، لا بل فقد المسلمون جميعًا راعية بيت النبوة، وشريكة حياة النبي، أول من آمن بدين الله، وأول من نصر رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، التي ظلت طيلة حياتها مرفأّ آمنًا تئوب إليه سفينة النبي المجهدة المتعبة، كما كانت أمًا للمؤمنين جميعًا، السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، المبشرة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق