الأحد، 16 سبتمبر 2012

قصة النبي الكريم من غار ثور حتى المدينة

 

لا شك أن تاريخ الإنسان علي الأرض سيظل يحفظ في ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير! نبي كريم يحمل النور للبشرية يقبع في غار مظلم، وقد أجهده السير، فوضع رأسه في حجر صاحبه، ثم نام لكنه الآن ينتبه، وما أيقظه إلا دموع صاحبه التي انحدرت رغمًا عنه فوقعت علي وجهه الشريف، ويسائل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* صاحبه: مالك يا أبا بكر؟ فيجيبه الصديق: لدغت، فداك أبي وأمي. إن أبا بكر وقد وجد ثقبين في الغار، خاف علي نبيه العظيم، فوضع في كل واحد منهما قدمًا من قدميه، حتى لدغ، فأبي أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه، حقًا ما أقسى جبل ثور، وما أرق المشاعر التي حبست في جوفه!، تفل الرسول صلي الله عليه وسلم* علي قدمه، فذهب عن أبي بكر ما أصابه، وبقي المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبد الله بن أبي بكر بخبر قريش ليلاً، ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولي أبي بكر بغنم له، فيشربان من لبنها، ويعود مولي أبي بكر بغنمه إلي مكة، مزيلاً بآثارها آثار ابن أبي بكر.
مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم* إن سيوف قريش العازمة علي اختراق جسد النبي الشريف لم تلق في صبيحتها مُحَمّدا في بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالي ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها، وتظهر مدي شجاعتها علي فتي أعزل، وفتاة وحيدة، أما الفتي فكان عليًا، فضربوه وسحبوه إلي الكعبة، وحبسوه ساعة، وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبي بكر، قدموا إليه بقوتهم المتغابية، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من علي بمعلومة تفيدهم، فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها، فأجابتهم بثبات: لا أدري والله أين أبي، فرفع المتغطرس الفاحش الخبيث أبو جهل يده، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها، ثم مضي يعوي، وقد لحقه جيش الأغبياء. واجتمعت قريش، وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة: توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة، ومن يأت بمُحَمّد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل. ينتشر علي الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب. لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر؟! نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلي باب الغار، وخشي أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا، وخاف أن يمس رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بسوء، فقال: إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالي من قبل ومن بعد؟! هكذا كان الدرس الذي نطق به النبي *صلي الله عليه وسلم* متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!.
مطاردة سراقة فارس مترجل عن فرسه النجيبة، يحمل رمحه، ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان! والأعزل يسير قدمًا، يتلو قرآن ربه، ولا يلتفت إليه! تلك هي الصورة التي نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بني مدلج: سراقة بن مالك بن جعشم، حين خرج يطارد رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه الصديق طامعًا في مكافأة قريش، فعاندته فرسه وغاصت قوائمها في الرمل مرارًا، حتى علم أن مُحَمّدا وصاحبه ممنوعان، وأعطي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذي بدأ يومه محاربًا للنبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم أنهي هذا اليوم مدافعًا عنه، بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق
 


 
 
أيام مرت علي النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه في الغار حتى هدأت المطاردة، ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلي المدينة بصحبة دليلهما عبد الله بن أريقط، الذي كان علي دين قريش، وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولي أبي بكر، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما، ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، في طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا، وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبي *صلي الله عليه وسلم* وأمنه، فإذا سأله أحد: من هذا الرجل الذي بين يديك؟، أجابه: هذا الرجل يهديني الطريق؛ حتى يخفي حقيقة النبي *صلي الله عليه وسلم* طلبًا لسلامته، ودون أن يكذب، وفي الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه: تلك هي اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمي لهما طمعًا في مكافأة قريش، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* دعاه إلي الإسلام، فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه، ونزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا، وكانت فرحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بهذا النصر الجديد كبيرة، إذ بإسلام بريدة الذي كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم في الإسلام، وصارت قاعدة إسلامية جديدة علي الطريق بين مكة والمدينة، ولقي النبي *صلي الله عليه وسلم* في الطريق أيضًا الزبير، وهو في كرب من المسلمين، كانوا تجارًا عائدين من الشام، فكسا الزبير النبي *صلي الله عليه وسلم*وصاحبه ثيابًا بيضاء
 
أما النزول بقباء كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة، ظهيرة شديدٌ حرها، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، تتنازعهم مشاعر الخوف، وجواذب الشوق* ألجأتهم إلي الاحتماء ببيوتهم، وفي هذا الجو القلق، الذي يغلفه السكون برداء ثقيل، إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودي من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون!. وما كادت هذه الصرخة تصل إلي آذانهم حتى انطلق المسلمون إلي السلاح، وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه، وسمع التكبير في بني عمرو بن عوف، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب، لقاء خير الأحبة، وسيد الأنام، حامل النور والهداية، مُحَمّد بن عبد الله فأحدقوا به، وأحاطوه وقد كسته السكينة، والوحي يتنزل عليه بقول ربه *عز وجل*: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول، ونزل في بني عمرو بن عوف، ونزل بقباء علي كلثوم بن الهدم، وأقام بها أربعة أيام، أسس خلالها مسجد قباء وصلي فيه، فلما كان بها اليوم الخامس *يوم الجمعة*؛ أرسل إلي أخواله من بني النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه، وسار نحو المدينة، حتى أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلي بهم الجمعة وكانوا مائة رجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق