الأحد، 16 سبتمبر 2012

معجزة الاسراء والمعراج

أسري برسول الله "صلي الله عليه وسلم" بجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، راكبًا علي البراق، بصحبة جبريل *عليه السلام"، وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق "عليهم السلام"، صلي مُحَمّد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل عليهما وعلي أبيهما السلام، ثم عرج به صلي الله عليه وسلم إلي السماوات العلا حيث توالت رؤيته للآيات العجيبة، وأمام ربه عز وجل كان فرض الصلوات الخمس، فلما أصبح رسول الله صلي الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل، فكذبوه وآذوه، فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة، غير أنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.
فرض الصلوات الخمس خمسون صلاة في كل يوم وليلة هي ما فرضها الله سبحانه وتعالي علي سيد الأنبياء في رحلة المعراج، لكنه صلي الله عليه وسلم حين مر بموسى عليه السلام أشار إليه أن يرجع إلي ربه ويسأله التخفيف لأمته، ففعل ووضع عنه ربه عشرًا، ولم يزل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يتردد بين موسى عليه السلام الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالي، حتى صارت الصلوات خمسًا، وعندها أجاب صلي الله عليه وسلم*موسى الناصح بمزيد من التخفيف: قد استحييت من ربي، ولكني أرضي وأسلم، فلما بعد نادي منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.
ما رآه مُحَمّد صلي الله عليه وسلم من الآيات وجب علي الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم، ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلي يقين لا يلزم غيرهم، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو في أعينهم عن جناح بعوضة، وما جعلهم يستعذبون في سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب. وفي رحلة المعراج رأي مُحَمّد صلي الله عليه وسلم من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده، وملأ قلبه يقينًا، ففي السماء الدنيا رأي آدم عليه السلام، ورأي أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره، وفي السماء الثانية رأي عيسي ويحيي عليهما السلام، وفي السماء الثالثة رأي يوسف عليه السلام، وفي السماء الرابعة رأي إدريس عليه السلام، وفي الخامسة رأي هارون عليه السلام، ورأي أخاه موسىعليه السلام في السادسة، ولما انتهي إلي السماء السابعة لقي إبراهيم عليه السلام، وكان كلما رأي نبيًا سلم عليه ذلك النبي ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلي الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدني، وفي هذه الرحلة تكررت له صلي الله عليه وسلم حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، ورأي أربعة أنهار في الجنة، نهرين ظاهرين وهما: النيل والفرات، ونهرين باطنين، ورأي مالك خازن النار، كما رأي الجنة والنار، ورأي أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون بقطع من النار في أفواههم فتخرج من أدبارهم، ورأي أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها علي الحركة، ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون علي النار، ورأي الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن، ويتركون السمين الطيب إلي جنبه، ورأي النساء اللاتي يدخلن علي أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن، وقد قص مُحَمّد صلي الله عليه وسلم علي أهل مكة حين أصبح خبر رحلته فصدقه من شاء الله له أن يصدق، وكذبه من صرف عن رؤية الحق رغم دلائل صدقه التي ساقها لهم النبي.
دلائل صدقه من آمن بالإسلام كله لايكذبه لبعضه، ومن عرف مُحَمّدا صلي الله عليه وسلم آمن بصدقه كيفما حدَّث، هاتان الحقيقتان البسيطتان هما اللتان نطق بهما لسان أبي بكر بسهولة ويسر: لئن كان قاله، لقد صدق، فوالله إنه ليخبرني إن الخبر ليأتيه من السماء إلي الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه!، ولأن العقول والقلوب ليست كلها كعقل أبي بكر وقلبه، شاء الله أن يؤتي مُحَمّد صلي الله عليه وسلم  أدلة دامغة لمن أراد أن يمعن النظر، فقد سأله الناس أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، وطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وعن البعير الذي يقدمها، وعن بعير شرد لهم فدلهم عليه، وعن ماء كان لهم مغطي فشربه ثم تركه مغطي كما كان ليكون لهم آية، لكن أني لمن لم يصدع قلبه لآيات القرآن أن تهتز شعرة من رأسه لحديث النبي الصادق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق